الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة "الكراسي": عمل مسرحي يندمج ضمن الكوميديا السوداء ويماهي بين هاجس السلطة المطلقة وعجز الشعوب عن تقرير المصير

نشر في  14 جانفي 2019  (10:39)

مسرحية "الكراسي" الإنتاج الجديد لشركة مينرفا تياتر بدعم من وزرارة الثقافة وإخراج الفنان المسرحي مقداد الصالحي واقتباس زينة مساهلي عن مسرحية " الكراسي " ليوجين يونسكو وتمثيل زينة مساهلي وزياد المسعودي ومقداد الصالحي.
"الكراسي" عمل مسرحي يسلط الضوء على عالم المنفى بما فيه من شعور بالحنين إلى الوطن والالتجاء إلى الغوص في الذاكرة للتنفيس عن الذات ومقاومة الشعور بالذنب والندم.
هكذا أمضت شخوص مسرحية الكراسي ما تبقى لها من العمر محاولة بكل السبل بلوغ حالة الانتشاء وتجاوز ألم المنفى والاغتراب.
المكان غرفة مظلمة علقت أبوابها وشبابيكها في الفضاء.. حيث لا وجود للجدران .. الأثاث مجرد كراسي حمراء متعددة و غير مرتبة.. ساعة جدارية معطلة تدل على الزمان المجهول أو المطلق..
الشخوص زوجان طاعنان في السن يقومان بحركات مريبة تدعو من الوهلة الأولى إلى الضحك و السخرية. عتمة الضوء ساهمت بدورها في بث مسحة عارمة من الغموض..
الزوج رئيس سابق تم خلعه من طرف الشعب ونفيه هو وزوجته العجوز في جزيرة نائية وبعيدة عن السكان..
يدور الحوار بينهما بجميع الأساليب بما في ذلك الحركة والإيماء والصمت.. الزوج ينطق بمعاجم تدل على براعته في إلقاء الخطب السياسية بينما الزوجة تبالغ في الاعتناء بجمالها وفي التمسك ببروتوكول الضيافة و الأناقة..
مفارقات غربية تجسدها هذه الشخوص تضفي على بعض مشاهد المسرحية مسحة من الكوميديا السوداء .. فالزوج يتمسك بالماضي ويحاول إلقاء خطبه السياسية أمام الكراسي الفارغة بينما الزوجة تستدعي العائلة الحاكمة وتجمعها مع بقية الشعب .. كلاهما في حالة استنفار دائمة.
حيث أن الزوج يسعى إلى التخلص من سجنه عن طريق خطابه المزعوم الذي ينادي بحرية الشعوب وأحقيتها في تقرير مصيرها كما يقوم باتهام الشعب بالتواكل والخمول وعدم توقه للحرية و الانعتاق من سلطة الديكتاتور ..
لكن الزوجة تصعد الحوار وتعمق المأساة حين تعلمه بماضيه المخزي وما قام به من جرائم وتجاوزات خطيرة ضد الإنسانية.. فهي لا تعدو أن تكون سوى ضميره المستتر الذي ينغص عليه محاولة التأقلم مع منفاه من خلال تذكيره الدائم بماضيه الأليم ..
وأخيرا يقرر هذا الزوج كتابة خطاب سياسي يعترف فيه بخطاياه ويدعو الشعب الى الثورة من جديد على الأحكام الجائرة التي تستند إلى الديكتاتورية والسلطة المطلقة ويأمر زوجته بتنظيف الكراسي وترتيبها واستدعاء كافة شرائح الشعب..
إلا أن الزوجة تجد صعوبة كبرى في إزالة الشوائب من الكراسي وتنظيفها من الغبار ولكنها تنجح في الترحيب بهؤلاء الضيوف بما في ذلك " الحجامة " و " الجنرال " و" سيدنا الشيخ " ثم تحدث معاملات مشبوهة بين " سيدنا الشيخ " و " الجنرال و" الحجامة " من خلال التودد لها ومحاولة التحرش بها..
و وبعد تهيئة المكان والزمان يتعطل الخطاب ويعجز الرئيس عن إلقائه أمام الضيوف مما يعيده الى حالة الحزن من جديد .. وأخيرا يقوم الزوج بتكليف " الخطيب " بمهمة الخطاب وإلقائه أمام الشعب ..
وتتكرر محاولة ترتيب الغرفة البسيطة من جديد على أنها قصر للرئاسة شديد الثراء والبذخ ويأتي الضيوف لسماع الخطاب ولكن الخطيب يفاجئهم بعجزه عن الكلام والنطق مما يزيد في عمق مأساة الزوجين فيسقط كل منهما على الأرض دون حراك..
تتكرر المشاهد في مسرحية الكراسي بتكرار الألم والوجع حيث أن الشخوص قد زج بها في مسار عبثي يوحي بالعجز عن الفعل والخلق وتكرر المأساة..
وقد ساهمت الرؤية الفنية لمسرحية "الكراسي" في رسم ملامح الشخوص بما في ذلك الماكياج واللباس والإكسسوار وجعلها ملائمة مع ما تطلبه الصورة المشهدية بطريقة سلسة وانسيابية حيث أدمجت الشخوص في الكوميديا السوداء التي تثير الضحك والسخرية والتي تقوم أساسا على النقد البناء واللاذع و تلخص الواقع السياسي السائد الذي ينبني على السلطة المطلقة والتفرد بالحكم منادية بذلك إلى ضرورة القيام بثورة فعالة للشعب تشيد بالحريات و تتحدى أنظمة الفساد السائدة و تنادي بالحق في تقرير المصير..